بقلم عمر أحمد العبد
| ١ | أفكّر بميّتٍ -لا أعرفه- يشعر بالبرد الأن ، أفكّر بامرأة تخسر نشوتها الرائعة بذكرى الميت نفسه .أفكّر بشارع لم يحصل على أغنية وتائه، أفكّر بالأغنية التي خسرت إنسانًا بارعًا في التيه بسبب خطأ في جغرافيا روحه. أفكّر بحياة قتلت بيتًا رائعًا، أفكر بالأبواب التي فقدت عملها إلى الأبد. أفكر بالأسباب التي جعلتني أفكّر، ولا أفكّر أبدًا بقلبي، قلبي الجريح من جيشه لا من عدوّه.أنا الساعي إلى أخطائه أبدًا. أحزّ جرحي مرّتين وثلاثة وأربعة فقط لاتأكدّ من جودة حزني، ودائمًا، دائمًا ما أفشل في تخطّي نفسي.| ٢ | حينما جاؤوا إليه ضجرين كان يبكي أيضًا وبنبرة تطفح بالعتب قالوا معاً "يارجل لتستغلّ موهبتك في البكاء! ابك عن الناس"وعندما بكى عن الناس كُلُّهم جاء إليه واحدًا منهم وقال قبل أن يدخل الباب، صرخ: "بدلًا من البكاء عن النّاس فلتبك عن البلاد، بلادنا الحزينة التي تقتلنا -غرقًا- بدموعها الثقيلة"وعندما لم تتوقف البلاد عن قتلنا، أصابه الضجر وصار يشكّ بحقيقة بكاءه.مرّ وقت طويل لم يأتي إليه أحد فقال لنفسه خلال شلّاله المندفع "أيها البكّاء الجميل، مارأيك أن تتحوّل إلى نهر؟ فلربما يحتاج الطيّبين مثلك أن ينتحروا في وضح النهار"قال جملته الأخيرة وغرق في نفسه.| ٣ | أنا بخير، بخيرٍ جدًا ولكنّي أعاني من تعاسةٍ بسيطة تعاسة بحجم جرح إلاصبع الصغير الذي يؤلم اليد كاملة. وأريد أن أصير بحرًا، لقد سئمت رؤيتي غريقًا، يطلب المساعدة. لذا أريد أن أصير بحرًا، هل قارب ك جاهزًا للمضيّ بي؟ بحرًا هائلًا لا يعترف بالصيّادين، ويقتلهم ما ان اقتربوا من أسماكه.هل تمانع أن أصير بحرًا أيها العالم؟ أريد أن أمرّ على أطراف سريرها، وألقي عليها بخردواتي وسُفني الميّتة، بغرقى اللجوء، وقوارير الرسائل الكاذبة . سأخلّي أسماكي الحزينة تغنّي لكِ بالليل وسأعيد ضبط أوقات ضجر الأمواج -وجريها خلف بعضها- على موعد إستيقاظك. ستنامين على سطحي وأنام على جلدك.أنا أريد أن أصير بحرًا، وأنت تصرّين على أن تُخلّيني رجل تعيس، يطعنه الوقت دائمًا. قلبه مليئ بالجراح، وحياته كلّها كلّها ملح.-عمر في الساعة التاسعة مساءًا وهو يدخّن الأرجيلة، ويستذكر معاركه الخاسرة.| ٤ | إلى السيدة التي تأكل نفسها في منفىً بعيد أكتب إليك وأنا أدخن الأرجيلة، ويُفتر ض أنك تقرأين وأنت تدخّنين صبرك الطويل. ترحلين من بلدٍ لبلد عبر وجهك والنافذة، لست طيرًا لكن فكرة الوطن جناحيك. جواز سفرك صوتك، حقيبتك صمتك والأغنيات هنّا بيوت صغيرة تَرينها في طيرانك التخيّلي.صحيح أنني أدخّن وأشرب الشاي بالنعناع لكن الأمور هنا جميعها سيئة، جاري المسكين أصابته نزلة برد حادّة ذَبحته في الليل وحيدًا، في البلدة المجاورة أكلت قذيفة حقيرة عائلة كاملة، العالم يعاني من شيء لامرئي، فأتمنى أن تراقبي هذا الموت من بيتك الصغير . جرّبي أن تصنعي موتك، مثلًا، فكّري أن تموتي وأنت تشربين الشاي مثلي! أو فكّري بأن تموتي بطريقة غريبة، لتضمني مركزًا في قائمة أجمل طُرق الموت الغير تقليدية . أنا يائس صحيح؟ الأمر واضح في رسالتي، حتى أنا نفسي أستغربُ الأمر.تعالي لأقول لك أمرًا تجهلينه، الشجرة التي زَرعت ها في حوش البيت، ذَبُلت، كلّ الذين يحبونك وتحبينهم سيفعلون مثلها مع مرور الوقت. استيقظي كلّ يوم كأنك جديدة، لا تعرفين شيء وعرّفي الأشياء كما تريدين قولي أنّ النافذة: وطن صغير وأن القهوة: إنسان كامل دون لسان. والسجنُ: قيامة مؤقتة . والأصدقاء: فكرة غير كاملة.ولكن إياك أن تُعرّفي الكتابة؛ لأنّي سأسخر منك، كَون الكتابة شيء لايُعرّف .إلى السيدة التي تأكل نفسها في المنفى، أقول: صَحّة.
عمر أحمد العبد لاجئ سوري يعيش حياة ليست فارهة في الأردن، بدأ الكتابة كفعلٍ ملازم لوجوده في سنة ٢٠١٧، يحب اللغة -وهنا القصد منها لغة النصّ رصانة الجملة وعدم خوفها من الإبتذال- ولاتضايقه الفكرة مهما كانت، يدرس القانون ويحاول أن يخالفه، يكره عنونة نصوصه .