الليلةُ الأُولى في دِمشقْ

بِقلم دُعاء البُستاني الفَتّوحي

             -1-
لَمْ تُعرْني المدينةُ اهتماماً
أخبرْتُها أنّنا نتشاركُ الحَرْفَ الأوّلَ مِنِ اسمَيْنا
أخبرْتُها أنّنا نَتحدَّثُ اللغةَ ذاتَها
ولكنّها بقيَتْ صامِتةً
تارةً تنفضُ عَنْ جسدِها غبارَ العابرينَ،
وتارةً تطوي كآبتَها وترمي بِها
في دولابٍ بَعيدٍ خارجَ أسوارِها،
تتأمَّلُ خرابَها الطَّفيفَ تارةً
وتذهبُ بهِ إلى أقربِ ورشةِ تصليحٍ،
ثمَّ تتركُهُ هناكَ وتعودُ حامِلَةً
الكعكَ والياسمينَ الدِّمشقيَّ معَهَا.
تجلِسُ بجانبِ القططِ الجالسةِ على كراسي القشّ
وتُرَبِّتُ عليها إلى أنْ يطلعَ النّهارْ.
 
             -2-
في الشَّارعِ الذي يتظاهرُ بخوائِهِ ليلاً
يأتي سُعالُ رَجُلٍ
ولكنَّ الهواءَ يبقى ساكناً حولَهُ
ولا يتَضَجَّرْ.
في الشَّارعِ الذي يتظاهرُ بخوائِهِ ليلاً
تُجيبُ امرأةٌ طرَقَتِ البابَ فََرَحَا : أنا!
تارِكَةً مَنْ سألَها “َمَنْ؟”
لِيُخَمِّنْ.
في الشَّارعِ اَلذي يَتظاهرُ بخوائِهِ ليلاً
بيتٌ أمكُثُ فيهِ وأستمعُ لهذيانِ الرّاديو:
أُمُّ كُلثوم تُغنّي عَنِ القسوةِ
وما تستطيعُ أنْ تجْتَرِحَ مِنْ مُعجِزاتٍ
فأسألُ نفسي: أهذا الشَّارعُ أََحَدُها؟
لو كانَ درويشُ حيَّاً لَسألتُهُ:
كيفَ ينامُ الغريبُ على ظلِّهِ واقفاً
وكُلُّ الظِّلال قدْ سُرِقَتْ هُنا؟
 
             -3-
لَمْ نََنَمْ ليلَتَها يا دِمشقُ
لا أنتِ ولا أنا،
كانَ ضَوءُ السَّيّارةِ المُعطَّلِ يُرسِلُ شيفرتَهُ
عَبْرَ نافذتي فلا أفهمُها.
مَرَّ ما مَرَّ ولَمْ نشهَدْ خَساراتِنا كُلّها.
لَمْ يكُنْ بينَنا عِتَابٌ أو لَوْمْ
لَمْ يكُنْ بينَنا شَفَقةٌ أو حُزْنْ.
مَرَّ ما مَرَّ والتقَيْنا هُنا،
وفي الليلةِ الأُولى كُنّا
نَرنوْ إلى الوقتِ الضَّيّقِ بينَنا
فنُدرِكُ أنَّهُ لنْ يتَّسِعَ لكُلِّ تلكَ الحكاياتِ
التي حدَثَتْ في غَيابِ كُلٍّ مِنَّا عَنِ الآخَرْ. 

دعاء البستاني الفتّوحي شاعرة ومُدرِّسة لغة إنجليزية من حماه – سورية. حاصلة على إجازة جامعية في الأدب الإنجليزي ودبلوم في التأهيل التربوي. تكتب دعاء الشِّعر باللغتين العربية والإنجليزية. نُشِرَتْ قصائدها باللغة الإنجليزية في عدد من المجلات مثل harana poetry magazine ، Ice Floe Press ، Pamenar Magazine،  و Bad Lilies.
  نُشِرَتْ بعض من قصائدها باللغة العربية مُترجَمة إلى اللغتين الإنجليزية والإيطالية في مجلة RIVISTA. رُشِّحَتْ لنيل جائزة Pushcart Prize لعام 2021.